المواجهة العسكرية الدائرة في سورية بين المعارضة المسلحة و الجيش السوري جرمت الحكومة السورية بحيث أصبحت طرف في نزاع داخلي/اقليمي ، بعد أن كانت تولي اهتمام بقيادة مرحلة اصلاح سياسي يناسبها. عسكرة المعارضة السورية في المقابل أودى ببراءة المعارضة ورفع سقف أهليتها، بحيث أصبح من المطلوب الآن انتصارات عسكرية نوعية تتيح لتلك الجهة أو ذاك التحدث عن وقائع جديدة على الأرض
كما اسفرت عنه المواجهات في دمشق منذ اسبوعين، المواجهات في حلب قد تطول و لكنها ستخمد، و الهدوء المصطنع سيعود و عدم الاسقرار سيكون سيد الموقف . التوصيف القابل للترجمة السياسية في هذه الحالة هو أن كلا الطرفين منهك، و كلا الطرفين عاجز عن الحسم العسكري
عند الحديث عن ضرورة التفاوض بين النظام و المعارضة هولهدف تجنب مأزق "خاسر/خاسر". لأن مأزق خاسر/خاسر بالنسبة لطرفي نزاع مسلحين يدفع ثمنه الباهظ المجتمع، الاسر، الأطفال، الممتلكات...كلما نظرت الى أحياء درعا، حمص، دير الزور، دمشق، حلب و كثير من المدن و القرى السورية ترى خراب و موت و أسى
كلا الطرفين مدرك أن تغيير سياسي قادم لا محالة. كيف ستتم آلية التغيير اذا كان احد الطرفين رافض للحوار؟. كيف سيتم انتقال للسلطة اذا لم يتم الاعتراف حتى الآن ان هناك مؤسسات حكومية و أمنية و عسكرية قائمة في البلد بحاجة أن تسلم؟ أين الحنكة السياسية من كلا الطرفين التي بامكانها حقن الدماء و حماية الناس بدل من تأجيج الموقف؟
كلما طال أمد الأزمة كلما زاد البعد الإقليمي توغلا و زاد التدخل الخارجي تعقيدا للموقف
في القصة المشهورة للنبي و القاضي العادل سليمان عندما تنازعت امرأتان امامه على ولد رضيع، أمر سليمان أن تأخذ كل امرأة قسم من جسد الولد. حكمة سليمان تنبهت الى حقيقة الهية هي أن الحق مجبول بالرحمة. الحق و الرحمة توءمان. ما كان من الأم الحقيقية إلا أن آثرت ابقاء ابنها حيا على أن تأخذ "حقها" في جسده
أين أمهات سوريا؟ أين آباء سوريا؟
أنتم من تدركون أولوية الرحمة ببلدنا و بأهلنا
الطرفان في هذا النزاع الأليم سوريان، شئنا أم أبينا. الطرفان لهم حياتهم واسرهم و أطفالهم، لهم مخاوفهم و أحلامهم. الطرفان لهم حقهم في العيش الكريم مع اليقين بوجوب محاسبة من تثبت عليهم جرائم ضد الإنسانية
على الطرفين تحمل مسؤولية ما يحصل من دمار و موت و تشريد في سوريا. أن يجلس ممثلون عن الطرفين إلى طاولة التفاوض للحديث عن المرحلة الانتقالية ليس بالمعجزة السياسية، هكذا يتم الانتقال و التحول السياسي في معظم الدول ، التي شهدت أحداث دموية و التي لم تشهد
سوريا حبيبتي.. الحرية و الكرامة
